كوب حليب وفرشاة كنس

كوب حليب وفرشاة كنس

حليب وفرشاة
حوار طويل دار بيني وبين ابنتي ليلة امس يختص بوفاة مرجريت ثاتشر أول امرأة تتولي رئاسة حزب المحافظين ثم رئاسة الوزاراء فيما بعد.

قالت الابنة المباركة ان كل نشرات الاخبار مكرسة لرواية تاريخ ثاتشر وانجازاتها وصعودها وافول نجمها وما تبع ذلك في حياتها الخاصة من اصابة بالجلطات واضطرابات الذاكرة التي تصاحب مراحل الشيخوخة المتقدمة.

قلت لابنتي بهدوء انني عاصرت كل تلك الاحداث. بل انني اعتبر موقفي من ثاتشر من اهم الدروس الفكرية والسياسية التي علمتني الحياة. فقد كنت في اول بداياتي الصحفية حين كانت ثاتشر تقدم نفسها لرئاسة الحزب . كنت شابة وشديدة الحماس للنساء ولذلك قرأت كل ما يمكن قراءته عن ثاتشر وعن كفاحها وهي ابنة بقال متواضع في شمال انجلترا للحصول علي درجة جامعية متميزة وتغيير لكنتها الريفية الي لكنة اكثر قبولا عند الطبقات العليا.

سعدت حين فازت وسعدت حين اصبحت امرأة رئيسة وزراء واعتقد ان تلك السعادة لم تكن ترتكز علي عدل او منطق. كل ما في الامر انني فرحت لها لأنها امرأة. ومرت السنون ومراحل ممارستي لمهنة الصحافة واهتمامي بالشأن العام لكي اكتشف ان كونها امرأة لم تكن له اية علاقة باستحقاقها للمنصب. فقد كانت وظلت تمثل اليمين المتطرف الي نهاية حياتها وهذا الموقف لا يتطلب ان تكون صاحبته امرأة وانما هو موقف سياسي له تبعات اجتماعية وانسانية واسعة.

وما يتذكره الناس عن ثاتشر هو اسم المرأة الحديدية التي اصطحبت الي مجلس العموم فرشاة كنس كتلك التي تستخدمها النساء في تنظيف الارضيات . وقالت للاعضاء بأنها سوف تستخدم الفرشاة لكنس ما تبقي من الافكار الاشتراكية من بريطانية.

وبالطبع ضجت القاعة بالضحك والتصفيق. وتبع ذلك ان السيدة الحديدية التي فرحت لفوزها بالمنصب, توفيرا للنفقات, حرمت اطفال المدارس الابتدائية من كوب حليب كانت الوزارة تصرفه لكل طفل تأمينا لحصوله علي ما يحتاج من الكالسيوم علما بأن المدارس الحكومية تستقبل اطفالا قد يكونوا من اسر شديدة الفقر. ثم اكتملت حلقات امتعاضي منها حين اعلنت في خطبة سياسية ان كلمة مجتمع لا وجود لها. الفرد هو الاساس وكل فرد مسئول عن احلامه وعن كفاحه لكي يحصل عليها.

تلك هي شريعة الغاب التي ارست قواعدها المرأة الحديدية. لا مجتمع يعني لا تكافل ولا تراحم وان المرء يستحق ما يستطيع اقتناصه من فرص.
تدريجيا اغلقت المصانع وتراجعت القاعدة الصناعية لأن ثاتشر قررت ان تلقن نقابات العمال الذين طالبوا بالانصاف درسا واصبحت لندن مركزا للخدمات المصرفية . والخدمات المصرفية توحي بالرواج وفي نفس الوقت تخدم مصالح اقلية من ذوي المال والنفوذ.
ولعل خاتمة دورة اهتمامي بثاتشر ثم اعراضي عما تمثله سياسيا وفكريا كان اصرارها علي حماية بينوشيه ديكتاتور تشيلي الذي قتل خمسة الاف من مواطني بلده في ساعة واحدة.
قالت ابنتي: لقد ماتت واصبحت بين يدي الله. ثم صمتت قليلا وسألتني : هل انت اشتراكية؟

فقلت لها علي الفور انني لا اشتراكية ولا رأسمالية وانما انا انسان يحترم قيم العدل والرحمة ويبغض استغلال الاغنياء للفقراء . ولو كان الامر بيدي لما بقي رجل بلا عمل لأن البطالة تحرم الرجال من الاحساس بالكرامة. ولحصل كل فرد علي ما يستحق مقابل ما يقدمه للمجتمع من خدمات وبضائع. ولو كان الامر بيدي لما نام طفل علي بطن خاوية , ولما سمحت لرئيس دولة ان يعاقب عاملا يريد ان يكون شريكا في المكسب كما هو شريك في الخسارة.

الدروس التي تلقنها لي الحياة لم تنته بعد. وسوف اتابع ما يقال في الاعلام عن انجازات مرجريت ثاتشر لعلني اصادف افكارا تقترب من افكاري.
المصدر: بوابة النجاح

يسلمووووو علـــــ طرح

الله يســــــــــلمك غلاتــــــــــــــــي